محافظة ذمار
تتربع محافظة ذمار في قلب المرتفعات الوسطى للجمهورية اليمنية، حاملةً على أكتافها إرثاً تاريخياً وحضارياً عريقاً يمتد لآلاف السنين. تُعرف ذمار بأنها مدينة العلم والعلماء، ومركزاً حضارياً هاماً عبر مختلف العصور، حيث لعبت دوراً محورياً في تشكيل تاريخ اليمن السياسي والثقافي. إن موقعها الاستراتيجي المتوسط بين العاصمة صنعاء ومحافظات جنوبية هامة مثل إب وتعز، جعل منها نقطة التقاء تجارية وثقافية بارزة، وممراً حيوياً للقوافل والمسافرين. تتميز المحافظة بتنوعها الجغرافي الفريد الذي يجمع بين السهول الخصبة والجبال الشاهقة والوديان السحيقة، مما أضفى عليها جمالاً طبيعياً خلاباً وساهم في تنوع نشاطها الزراعي. إن فهم أهمية محافظة ذمار لا يقتصر على ماضيها المجيد، بل يمتد إلى حاضرها كمركز إداري وتعليمي وزراعي حيوي، ومستقبلها الواعد كوجهة سياحية وثقافية جاذبة.
يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على محافظة ذمار بكافة جوانبها، بدءًا من موقعها الجغرافي وتضاريسها المتنوعة، مرورًا بتاريخها الحافل بالأحداث والشخصيات الهامة منذ عصور ما قبل الإسلام وحتى العصر الحديث. سنتعمق في استكشاف التقسيم الإداري للمحافظة ومديرياتها الرئيسية، ونتعرف على سكانها وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم الأصيلة. كما سنتناول اقتصاد المحافظة القائم بشكل أساسي على الزراعة، ودورها كمركز تعليمي هام بوجود جامعة ذمار العريقة. ولن نغفل عن استعراض أهم المعالم الأثرية والسياحية التي تزخر بها المحافظة، من مدن تاريخية وقلاع وحصون وسدود قديمة، والتي تشهد على عظمة الحضارات التي تعاقبت على هذه الأرض الطيبة. إنها رحلة استكشافية لجوهرة اليمن الوسطى، محافظة ذمار.
الموقع الجغرافي والأهمية الاستراتيجية
تقع محافظة ذمار في الجزء الأوسط من سلسلة المرتفعات الجبلية الوسطى للجمهورية اليمنية، وتحتل موقعاً استراتيجياً هاماً يربط بين العاصمة صنعاء شمالاً ومحافظات إب وتعز والبيضاء جنوباً وشرقاً، ومحافظة الحديدة غرباً عبر طرق وعرة تمر بمديرية عتمة ومنطقة وصاب. تبعد مدينة ذمار، مركز المحافظة، حوالي 100 كيلومتر جنوب العاصمة صنعاء، وترتفع عن مستوى سطح البحر بحوالي 2400 متر، مما يجعلها واحدة من المدن اليمنية المرتفعة ذات المناخ المعتدل صيفاً والبارد شتاءً.
تحد المحافظة من الشمال محافظة صنعاء، ومن الشرق محافظتي البيضاء وصنعاء، ومن الجنوب محافظة إب، ومن الغرب محافظتي ريمة والحديدة. تبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 9495 كيلومتر مربع، وتتوزع هذه المساحة على تضاريس متنوعة تشمل الجبال الشاهقة مثل جبل الدامغ وجبل إسبيل وجبال وصاب وعتمة، والسهول والهضاب الواسعة مثل قاع جهران وقاع الحقل، بالإضافة إلى العديد من الوديان الخصبة التي تجري فيها المياه الموسمية.
هذا الموقع المتوسط والمتميز أكسب محافظة ذمار أهمية استراتيجية كبرى عبر التاريخ، حيث كانت:
- ممرًا تجاريًا حيويًا: شكلت نقطة عبور رئيسية للقوافل التجارية بين شمال اليمن وجنوبه، وربطت بين مناطق الإنتاج الزراعي في الجنوب والموانئ في الغرب والأسواق في الشمال.
- مركزًا إداريًا وسياسيًا: اتخذتها العديد من الدول اليمنية القديمة والإسلامية مركزًا لإدارتها أو قاعدة عسكرية هامة للتحكم في المناطق المحيطة.
- ملتقى ثقافيًا وحضاريًا: ساهم موقعها في تفاعل ثقافي غني بين مختلف مناطق اليمن، وانعكس ذلك في تراثها المعماري وعاداتها وتقاليدها.
نبذة تاريخية عن محافظة ذمار
تعتبر محافظة ذمار واحدة من أقدم المناطق المأهولة في اليمن والجزيرة العربية، حيث تعود جذورها التاريخية إلى عصور ما قبل التاريخ. وقد كشفت التنقيبات الأثرية عن أدوات حجرية وبقايا استيطان بشري يرجع إلى العصر البرونزي والعصور الحجرية. إلا أن شهرتها وبروزها الحقيقي بدأ مع قيام الدول اليمنية القديمة، وخاصة الدولة الحميرية.
- العصور القديمة (ما قبل الإسلام): ارتبط اسم ذمار بالملك الحميري الشهير "ذمار علي يهبر الأول" وابنه "ثاران يهنعم" اللذين حكموا في القرن الأول الميلادي، ويعتقد أن المدينة سميت باسمه. كانت ذمار جزءاً هاماً من أراضي الدولة السبئية ثم الحميرية، واشتهرت بمدنها الحصينة مثل "بينون" و"هران" (هكر) التي كانت مراكز سياسية ودينية هامة، وتحتوي على نقوش وآثار تدل على ازدهارها وقوتها في تلك الفترة. كما اشتهرت المنطقة بسدودها القديمة التي تدل على تطور نظام الري آنذاك، مثل سد أضرعة وسد النقوب.
- العصر الإسلامي: دخلت ذمار في الإسلام مبكراً، وأصبحت مركزاً هاماً للعلم والفقه والحديث. برز منها العديد من العلماء والمحدثين الذين أثروا المكتبة الإسلامية. خلال العصور الإسلامية المختلفة (الأموي، العباسي، الأيوبي، الرسولي، الطاهري، الزيدي)، حافظت ذمار على مكانتها كمدينة علم ومركز إداري. اشتهرت بمدارسها الدينية التاريخية مثل المدرسة الشمسية التي تعد من أقدم المدارس في اليمن. كما شهدت بناء العديد من المساجد التاريخية ذات الطابع المعماري الفريد.
- العصر الحديث والمعاصر: خلال فترة الحكم العثماني ثم الإمامة، ظلت ذمار تلعب دوراً هاماً. وفي عهد الثورة اليمنية عام 1962، كانت ذمار من المحافظات التي تفاعلت مع أهداف الثورة وساندت النظام الجمهوري. تعرضت المدينة لزلزال مدمر عام 1982 أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منها وإعادة إعمارها لاحقاً، لكنها استطاعت تجاوز المحنة واستعادة دورها. تأسست جامعة ذمار عام 1996 لتصبح منارة علمية حديثة تضاف إلى تاريخ المدينة العلمي العريق.
يمثل تاريخ محافظة ذمار سجلاً حافلاً بالأحداث والتطورات التي تعكس العمق الحضاري لليمن، وتبرز دور هذه المحافظة كفاعل رئيسي في مختلف المراحل التاريخية. آثارها ونقوشها ومدنها القديمة لا تزال شاهدة على أمجاد الماضي وتنتظر المزيد من البحث والاستكشاف.
الجغرافيا والمناخ والتضاريس المتنوعة
تتمتع محافظة ذمار بتنوع جغرافي ومناخي لافت للنظر، ناتج عن موقعها في قلب المرتفعات الجبلية وتفاوت ارتفاعاتها. يمكن تقسيم تضاريس المحافظة إلى عدة أقاليم جغرافية رئيسية:
- المرتفعات الجبلية الشاهقة: تحتل الجبال مساحات واسعة من المحافظة، خاصة في الأجزاء الغربية والشمالية الغربية والجنوبية. تتميز هذه الجبال بارتفاعها الشديد وانحدارها، وتشمل سلاسل جبلية هامة مثل جبال وصابين (العالي والسافل)، وجبال عتمة، وجبل الدامغ، وجبل النبي شعيب (أعلى قمة في الجزيرة العربية، يقع جزء منه ضمن حدود المحافظة إدارياً)، وجبل إسبيل. تتميز هذه المناطق بمناخها البارد شتاءً والمعتدل صيفاً، وتعتبر مصدراً هاماً للمياه وتشتهر بمدرجاتها الزراعية المعلقة.
- الهضاب والقيعان (السهول): تتخلل المرتفعات الجبلية سهول وهضاب واسعة ومنبسطة تُعرف محلياً بالقيعان، وأشهرها قاع جهران وقاع الحقل. تتميز هذه المناطق بتربتها البركانية الخصبة وتعتبر مناطق زراعية رئيسية في المحافظة، حيث تزرع فيها الحبوب والخضروات والفواكه. مدينة ذمار نفسها تقع في قاع واسع.
- الوديان العميقة: تشق الجبال والهضاب شبكة من الوديان العميقة والضيقة التي تتجمع فيها مياه الأمطار والسيول الموسمية، مثل وادي بنا، وادي زبيد (رماع)، ووادي سهام. تعتبر هذه الوديان مناطق زراعية هامة، خاصة لزراعة البن والفواكه الاستوائية في المناطق الأقل ارتفاعاً.
- المناخ: يسود محافظة ذمار بشكل عام مناخ معتدل صيفاً يميل للبرودة، وبارد شتاءً، خاصة في المناطق المرتفعة التي قد تشهد تكون الصقيع في ليالي الشتاء. الأمطار موسمية تسقط غالباً في فصلي الربيع والصيف. تتفاوت كميات الأمطار ودرجات الحرارة بشكل كبير بين المناطق المرتفعة جداً والمناطق المنخفضة نسبياً في الغرب والوديان. هذا التنوع المناخي يساهم في تنوع الغطاء النباتي والإنتاج الزراعي للمحافظة.
إن جغرافية محافظة ذمار المتنوعة تجمع بين قسوة الجبال وخصوبة السهول، وتخلق لوحة طبيعية فريدة تمثل تحدياً وفرصة في آن واحد لسكانها، وقد شكلت هذه الجغرافيا عاملاً مهماً في تاريخ المحافظة وتطورها الاقتصادي والاجتماعي.
أسماء مديريات ذمار التقسيم الإداري والسكان
إدارياً، تنقسم محافظة ذمار إلى عدد من المديريات التي تضم بدورها مدناً وقرى وعزل. وفقًا لآخر التقسيمات الإدارية المعتمدة، تتكون المحافظة من (12) مديرية رئيسية، وهي:
- مديرية مدينة ذمار: مركز المحافظة الإداري والتجاري والتعليمي.
- مديرية عنس: من أكبر المديريات مساحة وسكاناً، وتشتهر بتاريخها العريق وآثارها.
- مديرية الحداء: تقع شرق المحافظة وتشتهر بآثار بينون التاريخية.
- مديرية جهران: تشتهر بقاعها الزراعي الخصب.
- مديرية المنار: تقع في الجزء الغربي.
- مديرية مغرب عنس: تقع غرب مديرية عنس.
- مديرية ميفعة عنس: تقع جنوب مديرية عنس.
- مديرية ضوران آنس: تقع في الجزء الشمالي الغربي وتشتهر بمرتفعاتها.
- مديرية جبل الشرق: تقع في الجزء الشرقي وتضم مناطق جبلية.
- مديرية عتمة: تقع في أقصى الغرب وتشتهر بطبيعتها الجبلية الخلابة وخصوبتها وصعوبة تضاريسها.
- مديرية وصاب العالي: تقع في الجزء الغربي وتتميز بارتفاعها وتاريخها.
- مديرية وصاب السافل: تقع أسفل وصاب العالي وتشتهر بزراعة البن.
السكان: تُعد محافظة ذمار من المحافظات ذات الكثافة السكانية المرتفعة نسبياً في اليمن. وفقاً لتقديرات السكان، يتجاوز عدد سكان المحافظة المليوني نسمة. يتوزع السكان بين الحضر والريف، مع تركز النسبة الأكبر في المناطق الريفية التي تعتمد بشكل أساسي على الزراعة. يتميز سكان محافظة ذمار بالكرم والطيبة والتمسك بالعادات والتقاليد اليمنية الأصيلة. يشتهرون بلهجتهم المميزة، وزيهم التقليدي، وفنونهم الشعبية مثل الرقصات والأهازيج التي تعبر عن ثقافتهم الغنية. كما أن لهم إسهامات بارزة في مجالات العلم والفكر والأدب عبر التاريخ. التركيبة السكانية للمحافظة تعكس تنوعاً قبلياً واجتماعياً، وتعتبر القبيلة مكوناً أساسياً في النسيج الاجتماعي، مع الحفاظ على قيم التعاون والتكافل الاجتماعي.
الاقتصاد والموارد الطبيعية
يعتمد اقتصاد محافظة ذمار بشكل أساسي على قطاع الزراعة، مستفيداً من تنوع تضاريسها ومناخها وتوفر (نسبي) للمياه في بعض المناطق. ومع ذلك، هناك قطاعات أخرى تسهم في اقتصاد المحافظة.
- الزراعة: هي العمود الفقري لاقتصاد المحافظة.
- الحبوب: تُزرع الحبوب بأنواعها المختلفة مثل الذرة الشامية، الذرة الرفيعة، الشعير، والقمح، خاصة في قاع جهران والحقل.
- الخضروات والفواكه: تشتهر ذمار بإنتاج البطاطس والطماطم والبصل والثوم، بالإضافة إلى الفواكه مثل العنب والرمان والخوخ والمشمش والفرسك في المناطق المرتفعة والمعتدلة.
- البن: تُزرع أجود أنواع البن اليمني في المدرجات الجبلية بالمديريات الغربية مثل عتمة ووصابين وآنس، ويعتبر البن الذماري (نسبة لبعض مناطقها) ذو جودة عالية.
- القات: للأسف، انتشرت زراعة القات بشكل كبير في المحافظة على حساب المحاصيل الغذائية الأخرى، مما يمثل تحدياً اقتصادياً وبيئياً.
- الثروة الحيوانية: تعتبر تربية الأغنام والماعز والأبقار جزءاً هاماً من النشاط الزراعي، وتوفر مصدراً للدخل والغذاء للسكان.
- الصناعة: لا تزال الصناعة في المحافظة محدودة وتتركز بشكل أساسي على الصناعات التقليدية والحرف اليدوية مثل صناعة المنسوجات التقليدية، والأواني الفخارية، والحلي الفضية (العقيق والصناعات الفضية)، بالإضافة إلى بعض الصناعات الغذائية الخفيفة ومعاصر السمسم والمطاحن. توجد أيضاً بعض الصناعات الحديثة المتعلقة بمواد البناء.
- التجارة: تلعب التجارة دوراً هاماً بحكم موقع المحافظة المتوسط. تعتبر مدينة ذمار مركزاً تجارياً رئيسياً للمحافظة والمناطق المجاورة، وتنشط فيها تجارة المنتجات الزراعية والحيوانية والسلع الاستهلاكية. تقام أسواق أسبوعية شعبية في مختلف مديريات المحافظة.
- الموارد الطبيعية الأخرى: تمتلك المحافظة بعض الموارد الطبيعية مثل أحجار البناء والزينة (خاصة في مناطق الحداء)، وبعض المعادن التي لم تستغل بشكل كبير بعد. كما تمتلك إمكانيات في مجال الطاقة المتجددة (الشمسية والرياح).
يواجه اقتصاد محافظة ذمار تحديات كبيرة، أبرزها شحة المياه وتأثير التغيرات المناخية على الزراعة، وانتشار زراعة القات، وضعف البنية التحتية الصناعية، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها اليمن بشكل عام. ومع ذلك، تظل الإمكانيات الزراعية والسياحية والثروات الطبيعية غير المستغلة تمثل فرصاً واعدة للتنمية المستقبلية.
الثقافة والتراث والمعالم السياحية
تزخر محافظة ذمار بتراث ثقافي غني ومتنوع يعكس تاريخها العريق وتفاعلها الحضاري. يتجلى هذا التراث في عادات وتقاليد سكانها، وفنونهم الشعبية، ومعمارهم الفريد، بالإضافة إلى العديد من المواقع الأثرية والسياحية الهامة.
- العادات والتقاليد: يحتفظ سكان ذمار بالكثير من العادات والتقاليد اليمنية الأصيلة المتعلقة بالمناسبات الاجتماعية والدينية، مثل الزواج والأعياد. يشتهرون بالكرم وحسن الضيافة، والتمسك بالقيم الاجتماعية الأصيلة. الزي التقليدي (مثل الجنبية والمعوز للنساء) لا يزال حاضراً في حياة الكثيرين.
- الفنون الشعبية: تشتهر المحافظة برقصاتها الشعبية الحماسية مثل "البرع" الذماري الذي يتميز بإيقاعه القوي وحركاته المعبرة. كما تنتشر الأهازيج والأغاني الشعبية التي تصاحب المناسبات المختلفة والأعمال الزراعية.
- العمارة التقليدية: تتميز العمارة في ذمار باستخدام الأحجار المحلية (الحبش) في بناء المنازل متعددة الطوابق، والنقش على الأخشاب، واستخدام "القضاض" (مادة بناء تقليدية مقاومة للماء) في تزيين الأسطح والحمامات. لا تزال بعض الأحياء القديمة في مدينة ذمار ومدن أخرى تحتفظ بهذا الطابع المعماري الفريد.
- المعالم الأثرية والسياحية البارزة:
- مدينة ذمار القديمة: بأحيائها التاريخية ومساجدها العتيقة مثل الجامع الكبير والمدرسة الشمسية.
- آثار بينون: في مديرية الحداء، وهي مدينة حميرية قديمة تحتوي على أطلال قصر ونقوش وسدود، وتعتبر من أهم المواقع الأثرية في اليمن.
- آثار هـَكـَر (هران): في مديرية عنس، وهي أيضاً مدينة حميرية هامة بها نقوش وكتابات قديمة.
- سدود قديمة: مثل سد أضرعة وسد النقوب، التي تشهد على براعة اليمنيين القدماء في هندسة الري.
- الحصون والقلاع: تنتشر العديد من الحصون التاريخية على قمم الجبال مثل حصن ضوران آنس وحصون وصابين، والتي كانت تستخدم لأغراض دفاعية.
- المناطق الطبيعية: مثل مديرية عتمة التي تعتبر محمية طبيعية بحد ذاتها لما تتمتع به من تنوع بيولوجي ومناظر طبيعية خلابة ومدرجات زراعية ساحرة. حمام علي في آنس بمياهه الكبريتية العلاجية.
- جامعة ذمار: كمعلم تعليمي حديث وهام في المحافظة.
إن التراث الثقافي والمعالم السياحية في محافظة ذمار تمثل كنزاً وطنياً وإنسانياً يستحق الاهتمام والحماية والتطوير. على الرغم من التحديات الحالية، تمتلك المحافظة إمكانيات هائلة لتكون وجهة سياحية ثقافية وتاريخية وبيئية جاذبة، مما قد يساهم بشكل كبير في تنميتها الاقتصادية والاجتماعية.
التعليم والصحة والتحديات المعاصرة
يشكل قطاعا التعليم والصحة ركيزتين أساسيتين للتنمية في أي مجتمع، وتواجه محافظة ذمار، كغيرها من المحافظات اليمنية، تحديات وفرصاً في هذين المجالين الحيويين.
- التعليم:
- التاريخ التعليمي: تتمتع ذمار بتاريخ تعليمي عريق، حيث كانت مركزاً للعلم الديني واللغوي لقرون، واشتهرت بمدارسها التاريخية وعلمائها.
- التعليم الحديث: انتشر التعليم النظامي في المحافظة بعد الثورة، وتوجد حالياً شبكة واسعة من المدارس الأساسية والثانوية تغطي معظم مناطق المحافظة، وإن كانت لا تزال تواجه تحديات في الجودة والبنية التحتية والكثافة الطلابية.
- التعليم العالي: يمثل تأسيس جامعة ذمار عام 1996 نقلة نوعية في التعليم العالي بالمحافظة. تضم الجامعة العديد من الكليات في مختلف التخصصات العلمية والإنسانية وتستقطب طلاباً من ذمار والمحافظات المجاورة، وتلعب دوراً هاماً في التنمية البشرية والعلمية.
- التحديات: لا يزال قطاع التعليم يواجه تحديات مثل التسرب المدرسي (خاصة للإناث في المناطق الريفية)، ونقص الكادر المؤهل في بعض المناطق، وضعف الموارد والميزانيات، وتأثير الصراع الحالي على العملية التعليمية.
- الصحة:
- البنية التحتية: توجد في المحافظة مستشفيات عامة وخاصة، أهمها هيئة المستشفى الجمهوري التعليمي بمدينة ذمار، بالإضافة إلى مراكز ووحدات صحية منتشرة في المديريات.
- التحديات: يعاني القطاع الصحي من تحديات كبيرة تشمل نقص الكوادر الطبية المتخصصة، ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية، وصعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية في المناطق الريفية والنائية، وضعف البنية التحتية لبعض المرافق، وتفشي بعض الأمراض والأوبئة نتيجة الظروف الصعبة وتدهور خدمات الصرف الصحي والمياه النظيفة.
- الطب التقليدي: لا يزال بعض السكان يعتمدون على الطب الشعبي والعلاج بالأعشاب، خاصة في المناطق البعيدة عن الخدمات الصحية الحديثة.
- التحديات المعاصرة الأخرى:
- الأوضاع الاقتصادية الصعبة: ارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
- شحة المياه: استنزاف المياه الجوفية وتأثير التغيرات المناخية على الزراعة ومياه الشرب.
- انتشار زراعة القات: وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية السلبية.
- البنية التحتية: الحاجة إلى تطوير شبكات الطرق (خاصة في المناطق الغربية الوعرة)، والكهرباء، والمياه والصرف الصحي.
- تأثير الصراع: كغيرها من محافظات اليمن، تأثرت ذمار بالصراع الدائر وما نتج عنه من تدهور في مختلف جوانب الحياة.
على الرغم من هذه التحديات الجسيمة، يظل الأمل معقوداً على صمود أبناء محافظة ذمار وقدرتهم على التكيف، وعلى الإمكانيات الكبيرة التي تمتلكها المحافظة في حال توفرت الظروف المواتية للاستقرار والتنمية.
الخاتمة: في نهاية هذه الرحلة عبر أرجاء محافظة ذمار، نجد أنفسنا أمام لوحة يمنية أصيلة تمتزج فيها عراقة التاريخ الممتد لآلاف السنين مع جمال الطبيعة المتنوعة وقوة الإنسان الذي صاغ هذه الحضارة. من قيعانها الخصبة إلى جبالها الشامخة، ومن آثارها الحميرية العظيمة إلى مدارسها الإسلامية التاريخية وجامعتها الحديثة، تروي ذمار قصة كفاح وصمود وإبداع.
لقد كانت ذمار، ولا تزال، قلب اليمن النابض بالحياة، مركزاً للعلم، ومنارة للثقافة، ونقطة التقاء حيوية تربط أجزاء الوطن. على الرغم من التحديات الجسيمة التي تواجهها اليوم، بدءًا من الظروف الاقتصادية الصعبة وشحة المياه وصولاً إلى تأثيرات الصراع، فإن الإرث الغني والإمكانيات الكامنة والمعدن الأصيل لأبنائها يبعث على الأمل في مستقبل أفضل.
إن الاهتمام بتراث محافظة ذمار الأثري والثقافي، والاستثمار في مواردها الزراعية والبشرية، وتطوير بنيتها التحتية، وتجاوز التحديات الراهنة، هو السبيل لإعادة هذه الجوهرة اليمنية إلى مكانتها اللائقة كمركز إشعاع حضاري وتنموي يساهم بفعالية في بناء مستقبل اليمن المشرق.