حسين بدر الدين الحوثي

حسين بدر الدين الحوثي

حسين بدر الدين الحوثي: من هو مؤسس حركة أنصار الله؟ سيرة ذاتية وتحليل

يُعدّ حسين بدر الدين الحوثي شخصية محورية ومثيرة للجدل في التاريخ اليمني المعاصر، فهو الرجل الذي يُنسب إليه تأسيس النواة الأولى لحركة أنصار الله، المعروفة إعلامياً بـالحوثيين، والتي أصبحت لاحقاً لاعباً رئيسياً لا يمكن تجاهله في المشهد السياسي والعسكري اليمني والإقليمي. فهم هذه الحركة وتطورها وتأثيرها العميق يتطلب بالضرورة العودة إلى جذورها وإلى شخصية مؤسسها الفكري والروحي الأول.يهدف هذا المقال إلى تقديم صورة شاملة وموضوعية قدر الإمكان عن حسين الحوثي، متتبعاً مسار حياته منذ نشأته في بيئة زيدية محافظة بصعدة، مروراً بتكوينه الفكري والديني، ودوره في تأسيس تنظيم الشباب المؤمن، وصولاً إلى المواجهة مع الدولة ومقتله عام 2004.
حسين بدر الدين الحوثي
حسين بدر الدين الحوثي 

 سنستعرض أبرز أفكاره، العوامل التي أثرت في تشكيل رؤيته، والتداعيات المباشرة لظهوره وحركته على تاريخ اليمن الحديث.إن تحليل شخصية حسين بدر الدين الحوثي وفكره يتطلب التعامل مع مصادر متعددة، وغالباً متضاربة، تتراوح بين تقديس أتباعه لشخصه واعتبارهم إياه "السيد القائد الشهيد"، وبين اتهامات خصومه له بنشر أفكار متطرفة وتأسيس حركة مسلحة متمردة ذات أجندات خارجية. سنحاول في هذه السطور تقديم رؤية متوازنة تستند إلى المعلومات المتاحة، مع إدراكنا لتعقيدات المشهد وحساسية الموضوع، بهدف فهم جذور حركة أنصار الله وتطورها من خلال مؤسسها.

النشأة في قلب صعدة: البيئة الزيدية والتأثر بالوالد

ولد حسين بدر الدين الحوثي حوالي عام 1959 (التاريخ الدقيق محل خلاف طفيف بين المصادر) في منطقة الرويس بمديرية حيدان ضمن محافظة صعدة، الواقعة في أقصى شمال اليمن على الحدود مع المملكة العربية السعودية. نشأ في بيئة دينية وعلمية محافظة تنتمي إلى المذهب الزيدي، وهو أحد فروع الإسلام الشيعي الذي له وجود تاريخي طويل وهوية خاصة في مرتفعات اليمن الشمالية.
العامل الأكثر تأثيراً في تكوينه المبكر كان والده، بدر الدين أمير الدين الحوثي (1926 - 2010)، الذي كان يُعتبر واحداً من أبرز علماء الزيدية في عصره، وإن كانت آراؤه وتوجهاته (خاصة ميله نحو أفكار أكثر قرباً من "الاثني عشرية" في بعض الجوانب، وابتعاده عن بعض آراء الزيدية التقليدية، لا سيما في مسألة الخروج على الحاكم الظالم وشروط الإمامة) قد جعلته شخصية خلافية داخل المذهب الزيدي نفسه.

تلقى حسين الحوثي تعليمه الديني واللغوي الأولي على يد والده وعلماء آخرين في صعدة، مركز الزيدية التقليدي. تميز منذ صغره بالذكاء والفصاحة والاهتمام بالشأن العام. البيئة التي نشأ فيها كانت تتميز بالتهميش الاقتصادي والسياسي النسبي من قبل الحكومة المركزية في صنعاء، بالإضافة إلى الشعور بالتهديد الثقافي والوجودي للمذهب الزيدي مع تزايد نفوذ التيارات السلفية المدعومة من السعودية في المنطقة منذ الثمانينيات، والتي اعتبرها الكثير من الزيود محاولة لمحو هويتهم المذهبية.

هذه العوامل مجتمعة - النشأة في بيئة زيدية تقليدية، التأثر بشخصية والده العالم والمثير للجدل، والشعور بالتهميش والتهديد الثقافي - شكلت الأرضية التي ستنمو عليها لاحقاً أفكار حسين الحوثي ومشروعه الذي سيُعرف لاحقاً باسم الحركة الحوثية. وتشير بعض المصادر (مع الحاجة لتدقيق) إلى أنه سافر أيضاً للدراسة لفترات في السودان وربما إيران، مما قد يكون قد وسع من آفاقه وعرضه لأفكار وتيارات أخرى، خاصة تلك المرتبطة بالثورة الإسلامية في إيران وفكر الإمام الخميني.

كانت سنوات التكوين هذه حاسمة في صقل شخصية حسين الحوثي وتحديد المسار الذي سيسلكه لاحقاً، والذي سيجمع بين البعد الديني والسياسي والاجتماعي.

تنظيم الشباب المؤمن: من الدعوة الثقافية إلى الحراك السياسي

في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن العشرين، وفي ظل مناخ من الانفتاح السياسي النسبي الذي شهدته اليمن قبيل الوحدة وبعدها مباشرة، بدأت تظهر حركات ثقافية ودينية تسعى لإحياء وتجديد الفكر الزيدي وتعزيز مكانته في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. من أبرز هذه الحركات كان "منتدى الشباب المؤمن" (لاحقاً قد يشار إليه بـ "تنظيم").

  1. التأسيس والأهداف الأولية: 📚 تأسس "الشباب المؤمن" كمجموعة ثقافية وتعليمية في صعدة والمناطق المجاورة، تهدف بشكل أساسي إلى تدريس العلوم الدينية الزيدية للشباب، إحياء التراث الزيدي، والتصدي لما اعتبروه "غزواً فكرياً" من قبل التيارات السلفية الوهابية التي كانت تتوسع في المنطقة. كان حسين بدر الدين الحوثي شخصية محورية وقيادية بارزة ضمن هذه المجموعة منذ البداية، إلى جانب شقيقه محمد وشخصيات أخرى.
  2. المخيمات الصيفية والأنشطة التعليمية: ⛺ اعتمد التنظيم بشكل كبير على إقامة المخيمات الصيفية للشباب، بالإضافة إلى الحلقات الدراسية والمحاضرات والمكتبات المتنقلة، كوسائل لنشر أفكاره وتجنيد الأتباع وتعزيز الهوية الزيدية. ركزت المناهج على علوم القرآن، الحديث، الفقه، اللغة العربية، والتاريخ، مع اهتمام خاص بالجوانب العقدية والفكرية للمذهب الزيدي.
  3. الدخول إلى العمل السياسي: 🏛️ مع الانفتاح السياسي وتأسيس حزب الحق (وهو حزب يمثل بشكل كبير التوجهات الزيدية التقليدية والإصلاحية) في بداية التسعينيات، انخرط حسين الحوثي ووالده وشخصيات أخرى من "الشباب المؤمن" في العمل السياسي الرسمي. نجح حسين الحوثي في الفوز بمقعد في مجلس النواب اليمني عن دائرة مران بصعدة في انتخابات عام 1993.
  4. تجربة البرلمان والانشقاق (لاحقاً): ⚖️ خلال فترة عضويته في البرلمان (1993-1997)، اكتسب حسين الحوثي خبرة في العمل السياسي وتعرف على ديناميكياته في صنعاء. لكن يبدو أن هذه التجربة، بالإضافة إلى نتائج حرب صيف 1994 (التي شعر فيها الزيود بأنهم خسروا نفوذاً لصالح قوى أخرى) وتحالف حزب الحق مع حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، أدت إلى شعوره بالإحباط وخيبة الأمل من جدوى العمل السياسي ضمن النظام القائم. ترك البرلمان بعد انتهاء دورته ولم يترشح مرة أخرى.
  5. التحول التدريجي وتصاعد الخطاب النقدي: 🗣️ بعد خروجه من البرلمان، وبعد عودته من فترات يقال إنه قضاها في الدراسة والتأمل (ربما في السودان أو غيرها)، بدأ خطاب حسين الحوثي يأخذ منحى أكثر حدة ونقداً تجاه الحكومة اليمنية بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح، متهماً إياها بالفساد والتبعية للولايات المتحدة وإهمال محافظة صعدة والمناطق الزيدية. كما بدأ يطور أفكاره الخاصة التي ستركز لاحقاً على مواجهة ما اعتبره "الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية". بدأ الخلاف يظهر أيضاً داخل "الشباب المؤمن" نفسه حول توجهات حسين الحوثي، مما أدى لاحقاً إلى انقسامات داخل الحركة.

مثلت فترة "الشباب المؤمن" مرحلة انتقالية هامة، تحول فيها حسين الحوثي من مجرد ناشط ثقافي ديني إلى شخصية ذات طموحات فكرية وسياسية أوسع، مع خطاب بدأ يتبلور ليصبح أكثر جذرية ومواجهة. هذه الفترة وضعت الأساس لما سيصبح لاحقاً حركة أنصار الله.

الفكر والعقيدة: أبرز ملامح أطروحات حسين الحوثي

يعتبر فهم أفكار حسين بدر الدين الحوثي أمراً أساسياً لفهم دوافع ومنطلقات الحركة التي أسسها. استند فكره إلى مزيج من المرجعية الزيدية التقليدية (مع تأويلات خاصة)، والتأثر بأحداث إقليمية ودولية، ورؤية نقدية حادة للواقع اليمني والعربي. يمكن تلخيص أبرز ملامح فكره في النقاط التالية:

  • إحياء الهوية الزيدية ومواجهة "الغزو" الوهابي/السلفي: كان هذا هو المنطلق الأساسي لنشاطه. رأى حسين الحوثي أن الهوية والثقافة الزيدية تتعرض لهجوم منظم ومحو ممنهج من قبل التيارات السلفية المدعومة خارجياً (من السعودية بشكل أساسي)، والتي كانت تتوسع في مناطق صعدة عبر بناء المعاهد والمدارس ونشر تفسيرات تعتبر الزيدية "منحرفة". دعا إلى ضرورة العودة إلى الأصول الزيدية "النقية" وتدريسها وتعزيز الانتماء إليها لمواجهة هذا الخطر.
  • تأويلات خاصة للمذهب الزيدي:رغم انطلاقه من المرجعية الزيدية، إلا أن حسين الحوثي قدم قراءات وتأويلات خاصة لبعض مفاهيمها، مما أثار جدلاً حتى داخل الأوساط الزيدية التقليدية. من ذلك تركيزه على جوانب معينة من تاريخ الصراع الزيدي ورمزية "آل البيت"، وربما التقليل من أهمية شروط الإمامة الزيدية التقليدية (مثل شرط العلم والنسب القرشي المباشر)، وتبني أفكار قد تبدو أقرب للجارودية (فرقة زيدية تاريخية أكثر تشدداً في مسألة الإمامة وحصرها في البطنين).
  • محورية "القرآن الكريم" في فكره:أعطى حسين الحوثي أهمية قصوى للقرآن الكريم كمصدر أساسي للمعرفة والهداية والحلول لمشاكل الأمة. تركزت معظم محاضراته ودروسه (المعروفة باسم "الملازم") حول تفسير آيات القرآن وربطها بالواقع السياسي والاجتماعي المعاصر، داعياً إلى "العودة إلى القرآن" كمنهاج حياة وحكم.
  • النقد الشديد للولايات المتحدة وإسرائيل:بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 والغزو الأمريكي لأفغانستان ثم العراق، تصاعد خطاب حسين الحوثي المناهض بشدة لما اعتبره "الهيمنة الأمريكية" و"المشروع الصهيوأمريكي" في المنطقة. رأى أن أمريكا وإسرائيل هما "العدو الحقيقي" للمسلمين، وأن الحكومات العربية (بما فيها الحكومة اليمنية) متواطئة معهما أو خاضعة لهما.
  • "الصرخة": الشعار كرمز للمواجهة:في هذا السياق، رفع حسين الحوثي شعار الحركة الشهير: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام". اعتبر هذا الشعار (الصرخة) وسيلة لتعبئة الأنصار، وكسر حاجز الخوف، وإعلان موقف واضح من "الأعداء"، وتحديد هوية الحركة. تم ترديد الشعار في المساجد والفعاليات التي نظمها أنصاره، مما أثار حفيظة السلطات التي اعتبرته تحريضاً وشقاً للصف الوطني.
  • التأثر (المحتمل) بالثورة الإيرانية وحزب الله:يرى الكثير من المحللين والخصوم أن حسين الحوثي تأثر بشكل كبير بنموذج الثورة الإسلامية في إيران وولاية الفقيه، وبنموذج حزب الله في لبنان من حيث التنظيم والتعبئة والخطاب المعادي لأمريكا وإسرائيل. طبيعة ومدى هذا التأثر وعلاقاته بإيران في تلك الفترة المبكرة تظل محل جدل كبير ومصدر للاتهامات المتبادلة.
  • نقد الوضع الداخلي (الفساد والتبعية):لم يقتصر نقده على الخارج، بل وجه انتقادات لاذعة للحكومة اليمنية متهماً إياها بالفساد المالي والإداري، وإهمال محافظة صعدة، والتبعية السياسية والاقتصادية للخارج (خاصة أمريكا والسعودية).

شكلت هذه الأفكار، التي نشرها حسين الحوثي من خلال محاضراته وخطبه في صعدة، الأساس الفكري والعقائدي للحركة التي بدأت تتشكل حوله، والتي سرعان ما ستدخل في مواجهة مباشرة مع الدولة اليمنية.

الصدام مع الدولة ومقتله (2004)

مع تصاعد نبرة خطاب حسين الحوثي وتوسع دائرة أتباعه وترديدهم لشعار "الصرخة" في المساجد والأماكن العامة بصعدة، زادت حدة التوتر بين حركته الناشئة وبين الحكومة المركزية في صنعاء بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح. رأت الحكومة في نشاط الحوثي وأنصاره تحدياً لسلطتها، وتهديداً للنسيج الاجتماعي، وعملاً خارجاً عن القانون، فضلاً عن شكوك حول وجود دعم خارجي (إيراني) له.

شرارة المواجهة الأولى (حرب صعدة الأولى):
في يونيو 2004، وبعد سلسلة من المحاولات الفاشلة لاحتواء نشاط الحوثي أو اعتقاله، شنت الحكومة اليمنية حملة عسكرية واسعة على معاقل حسين الحوثي وأنصاره في منطقة مران بمحافظة صعدة. اعتبرت الحكومة أن الحوثي يقود تمرداً مسلحاً ويهدد الأمن القومي، بينما رأى الحوثي وأنصاره أنهم يتعرضون لعدوان ظالم بسبب أفكارهم ومطالبهم. اندلعت مواجهات عنيفة بين الطرفين، استمرت لعدة أشهر، وعرفت باسم "حرب صعدة الأولى".

الحصار والمقتل:
خلال هذه الحرب، تراجعت قوات الحوثي (التي كانت لا تزال قليلة العدد والعدة نسبياً آنذاك) إلى جبال مران الوعرة. تمكنت القوات الحكومية من محاصرة حسين الحوثي وعدد من أتباعه المقربين في جرف سلمان بمنطقة مران. وبعد حصار وقصف عنيفين، أعلنت الحكومة اليمنية رسمياً عن مقتل حسين بدر الدين الحوثي في 10 سبتمبر 2004. اختلفت الروايات حول ظروف مقتله الدقيقة، لكن المؤكد أنه قُتل خلال المواجهات بعد مقاومة عنيفة.

التداعيات المباشرة لمقتله:
  • صدمة وتحول: شكل مقتل حسين الحوثي صدمة كبيرة لأتباعه، لكنه بدلاً من أن يقضي على الحركة، تحول إلى عامل "تأجيج" ورمز "للمظلومية والتضحية" في سبيل القضية.
  • بروز القيادة الجديدة: تولى والد حسين، العلامة بدر الدين الحوثي، القيادة الروحية للحركة لفترة، بينما برز شقيقه الأصغر، عبد الملك بدر الدين الحوثي، كقائد ميداني وسياسي فعلي للحركة لاحقاً، مستفيداً من كاريزما شقيقه الراحل وتجربته المبكرة.
  • استمرار الحروب: لم يؤدِ مقتل حسين الحوثي إلى نهاية الصراع، بل اندلعت خمس حروب أخرى (حروب صعدة الست 2004-2010) بين الحوثيين والحكومة اليمنية، والتي أدت إلى تدمير كبير في صعدة وتوسع تدريجي لنفوذ الحركة وزيادة قوتها العسكرية وخبرتها القتالية.
  • الرمزية الأيديولوجية: ترسخت مكانة حسين الحوثي كـ "السيد القائد الشهيد" والمؤسس الروحي والفكري للحركة، وأصبحت "ملازمه" (محاضراته المسجلة) تمثل المرجع الأيديولوجي الأساسي لأنصار الله حتى اليوم.
كان مقتل حسين بدر الدين الحوثي نقطة تحول حاسمة، لم تنهِ حركته بل حولتها من حركة دعوية/سياسية ناشئة ذات طابع محلي إلى حركة مسلحة قوية استطاعت الصمود والتوسع، لتصبح لاحقاً القوة المهيمنة في جزء كبير من اليمن بعد عام 2014.

إرث حسين الحوثي وتأثيره المستمر

على الرغم من أن حسين بدر الدين الحوثي قُتل بعد أشهر قليلة فقط من بدء المواجهة المسلحة المباشرة، إلا أن إرثه الفكري وتأثيره على الحركة التي أسسها، وعلى مسار الأحداث في اليمن، يظل عميقاً ومستمراً حتى اليوم.
  • المؤسس الروحي والأيديولوجي: يُعتبر حسين الحوثي هو الملهم والمرجع الفكري الأساسي لحركة أنصار الله. أفكاره حول الهوية الزيدية، ومواجهة "الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية"، ونقد الأنظمة القائمة، والعودة إلى القرآن، وشعار "الصرخة"، كلها لا تزال تشكل جوهر خطاب الحركة وعقيدتها المعلنة. يتم دراسة "ملازمه" وتدريسها على نطاق واسع في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
  • رمزية "الشهادة والمظلومية": أصبح مقتله في 2004 حدثاً محورياً في سردية الحركة، حيث يُقدم كرمز للتضحية في مواجهة "الظلم والعدوان". تستخدم الحركة هذه الرمزية لتعبئة الأنصار، تبرير استمرار الصراع، وتصوير نفسها كحركة مقاومة ضد قوى داخلية وخارجية "معادية".
  • الأساس التنظيمي المبكر: ورثت الحركة عن حسين الحوثي وفترة "الشباب المؤمن" بعض الهياكل التنظيمية والثقافية الأولية، وشبكة من العلاقات والولاءات في صعدة والمناطق المجاورة، والتي استطاع أخوه عبد الملك البناء عليها وتوسيعها بشكل كبير لاحقاً.
  • استمرارية النهج والخطاب: لا يزال الخطاب الإعلامي والسياسي والديني للحركة الحوثية بقيادة عبد الملك الحوثي يستلهم بشكل كبير لغة حسين الحوثي وأفكاره ومصطلحاته، خاصة فيما يتعلق بمناهضة أمريكا وإسرائيل، وتأكيد الهوية "القرآنية" للحركة.
  • إثارة الجدل والانقسام: في المقابل، يُنظر إلى إرث حسين الحوثي من قبل خصومه على أنه أساس لأيديولوجية متشددة، ذات طابع طائفي إقصائي، تدعو للعنف وتستخدم الدين لتحقيق أهداف سياسية، وترتبط بمحاور إقليمية (إيران). أفكاره حول الإمامة، والموقف من الصحابة (في بعض التفسيرات)، ونظرته للآخر، تظل نقاط خلاف وجدل عميقة في اليمن وخارجه.
بكل المقاييس، كان حسين بدر الدين الحوثي شخصية تاريخية مؤثرة بشكل استثنائي في اليمن الحديث. بغض النظر عن التقييم الإيجابي أو السلبي لأفكاره ودوره، لا يمكن فهم الصراع المعقد والمستمر في اليمن دون فهم الجذور الفكرية والسياسية للحركة التي انطلقت من أفكاره وخطاباته في جبال صعدة. يبقى إرثه جزءاً حياً ومؤثراً في تشكيل حاضر ومستقبل البلاد.

الخاتمة: لقد حاولنا في هذا المقال الشامل تتبع مسيرة حسين بدر الدين الحوثي، الشخصية التي انطلقت من بيئة دينية وعلمية في صعدة لتؤسس حركة أصبحت تحمل اسمه وتغير وجه اليمن المعاصر. من دوره في "تنظيم الشباب المؤمن" وسعيه لإحياء الهوية الزيدية، إلى تجربته السياسية القصيرة، ثم تبنيه لخطاب نقدي حاد ومواجهة مع الدولة أدت إلى مقتله في 2004، شكلت حياة حسين الحوثي وأفكاره نقطة تحول مفصلية.

يبقى مؤسس حركة أنصار الله شخصية متعددة الأوجه، فهو الزعيم الروحي والملهم لأتباعه، وهو في نظر خصومه أساس لأيديولوجية صراع وعنف. وبغض النظر عن زاوية النظر، فإن دراسة فكره وسيرته تظل ضرورية لفهم أحد أهم الفاعلين في الصراع اليمني الحالي وإرثه المعقد الذي لا يزال يرسم ملامح الأحداث في المنطقة. إنها قصة عن الدين والسياسة والهوية والمواجهة، لا تزال فصولها تُكتب حتى اليوم.


كـــــارم المرحـبـي
كـــــارم المرحـبـي
تعليقات